مقدمة
في العديد من المجتمعات حول العالم، لا يزال زواج القاصرات – الذي يُطلق عليه أيضًا الزواج المبكر – ظاهرة اجتماعية منتشرة، تُمارس تحت غطاء العادات والتقاليد أو بتبريرات دينية واقتصادية. وبرغم التقدم في التشريعات الدولية والوطنية التي تجرّم هذا النوع من الزواج أو تحدّ منه، إلا أن آلاف الفتيات ما زلن يُجبرن على دخول الحياة الزوجية وهن في عمر الطفولة، ما يجعلهن عرضة لانتهاكات جسيمة تمسّ حقوقهن الأساسية في التعليم، والصحة، والحماية من العنف.
تعريف الزواج المبكر
الزواج المبكر هو الزواج الذي يتم قبل بلوغ أحد الطرفين، أو كليهما، سن الـ18 عامًا، وفقًا لتعريف منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) والمادة 1 من اتفاقية حقوق الطفل. وغالبًا ما تكون الفتاة الطرف الأضعف في هذه العلاقة، وتُجبر على الزواج من رجل يكبرها سنًا، ما يحرمها من الاستقلال الجسدي والنفسي، ويعرضها لمخاطر عديدة.
أسباب انتشار زواج القاصرات
1. العادات والتقاليد
في مجتمعات محافظة، يُنظر إلى الزواج المبكر كوسيلة "لحماية شرف الفتاة"، أو كـ"ضمان لمستقبلها"، وهي مفاهيم مغلوطة تدفع العائلات إلى تزويج بناتها في سن مبكرة.
2. العوامل الاقتصادية
الفقر يدفع بعض الأسر إلى تزويج بناتها للتخفيف من العبء المالي أو للحصول على مهر مادي. في بعض الحالات، يكون الزواج صفقة تجارية بين عائلتين.
3. ضعف القوانين أو غياب تنفيذها
رغم وجود قوانين تمنع الزواج دون سن الـ18 في كثير من الدول، إلا أن الثغرات القانونية، مثل "زواج ولي الأمر بموافقة القاضي"، تجعل من السهل الالتفاف على القانون.
4. النزاعات والحروب
في مناطق النزاع، مثل سوريا والعراق واليمن، ارتفعت نسب زواج القاصرات بسبب النزوح، وانعدام الأمان، والانهيار الاقتصادي، حيث يعتبره البعض وسيلة "لحماية" الفتاة.
الآثار السلبية لزواج القاصرات
1. الصحة الجسدية
الحمل المبكر يعرض القاصرات لمضاعفات طبية خطيرة، مثل تسمم الحمل، الولادة المبكرة، أو حتى الوفاة. كما أن أجسادهن غير مهيأة بيولوجيًا للحمل والولادة.
2. الصحة النفسية
تعاني الفتيات من اضطرابات نفسية كالاكتئاب، القلق، واضطرابات ما بعد الصدمة. وقد تتفاقم هذه المشكلات نتيجة العنف المنزلي والحرمان من الطفولة.
3. الحرمان من التعليم
في معظم الحالات، تُجبر القاصر على ترك المدرسة بعد الزواج، ما يغلق أمامها فرص المستقبل، ويكرس دائرة الفقر والجهل في الأجيال القادمة.
4. العنف الأسري
الزواج المبكر يجعل الفتاة أكثر عرضة للعنف الجسدي والجنسي والنفسي، خاصة إذا كان الزوج أكبر سنًا، ويمتلك سلطة اجتماعية وقانونية أكبر.
الوضع القانوني: تباين بين النص والتطبيق
في معظم الدول العربية، ينص القانون على أن الحد الأدنى للزواج هو 18 عامًا، إلا أن هناك استثناءات كثيرة تتيح تزويج القاصرات بموافقة ولي الأمر أو القاضي.
على سبيل المثال:
-
في العراق: سن الزواج القانوني هو 18، لكن يمكن الزواج بعمر 15 بموافقة الوالدين والقاضي (وفق المادة 8 من قانون الأحوال الشخصية العراقي).
-
في سوريا: الحد الأدنى للزواج هو 18 للذكور و17 للإناث، ولكن يُسمح بالزواج بدءًا من 13 عامًا بموافقة القاضي (المادة 18 من قانون الأحوال الشخصية السوري).
-
في اليمن: لا يوجد قانون واضح يحدد سنًا دنيا للزواج، ما يجعل القاصرات عرضة للزواج في أعمار صغيرة جدًا.
دور المجتمع المدني والمنظمات الدولية
العديد من المنظمات تعمل على مناهضة زواج القاصرات، منها:
-
يونيسف (UNICEF): تنفذ حملات توعية وبرامج تعليمية لدعم الفتيات في المجتمعات المعرضة للزواج المبكر.
-
هيومن رايتس ووتش (HRW): توثق الانتهاكات وتضغط لتعديل القوانين المحلية.
-
جمعيات محلية: في الدول العربية، بدأت تظهر مبادرات مجتمعية تقودها نساء ناجيات من الزواج المبكر، يعملن على التوعية والدعم النفسي والاجتماعي للفتيات.
التوصيات
-
تعديل القوانين الوطنية لضمان عدم وجود استثناءات تسمح بزواج القاصرات.
-
تطبيق صارم للقوانين القائمة مع محاسبة من يسهّل أو يجبر فتاة على الزواج قبل السن القانونية.
-
حملات توعية موجهة للعائلات والمجتمع لتغيير النظرة التقليدية حول "الزواج كحل".
-
دعم تعليم الفتيات كأداة استراتيجية لمكافحة الزواج المبكر.
-
توفير دعم نفسي وقانوني للناجيات من هذا النوع من الزواج، وضمان وصولهن للخدمات الصحية والاجتماعية.
خاتمة
زواج القاصرات ليس مجرد قضية فردية، بل أزمة إنسانية تنتهك أبسط حقوق الإنسان، وتُعيد إنتاج الظلم عبر أجيال. وبين العادات التي تُقدَّس، والقوانين التي تُختَرق، تظل الفتيات القاصرات هن الضحية الأولى والأخيرة. مواجهة هذه الظاهرة تتطلب تضافر الجهود القانونية، التعليمية، والإنسانية لإنقاذ آلاف الطفلات من مستقبل مسلوب قبل أن يبدأ.
إرسال تعليق
0تعليقات