كتابة رئيس تحرير شبكة يزيدا نيوز : غيث المجهول
الوجود الإيزيدي في سوريا: بين الجذور التاريخية والانتهاكات الحديثة
مقدمة
يُعد الإيزيديون من أقدم الجماعات الدينية في منطقة الشرق الأوسط، ويعود تاريخ وجودهم في سوريا والمنطقة المحيطة بها إلى عصور غابرة. وعلى الرغم من قدم هذا الوجود، إلا أن حملات الاضطهاد والإبادة المتكررة التي تعرضوا لها على مدار القرون تسببت في تناقص أعدادهم بشكل حاد، مما جعلهم من بين الأقليات الدينية الأكثر عرضة للانقراض. ورغم ذلك، لا تزال مجتمعات إيزيدية صغيرة قائمة في سوريا، العراق، كردستان، تركيا، وبعض دول الشتات مثل أرمينيا وجورجيا.
الإبادة الجماعية عام 2014
أحدث موجة من الإبادة الجماعية ضد الإيزيديين وقعت عام 2014 على يد تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، الذي اجتاح منطقة سنجار (شنكال) في العراق، وقام بخطف الآلاف من الرجال والنساء، ونقل العديد منهم إلى سوريا، حيث ارتُكبت بحقهم فظائع موثّقة من قبل لجنة التحقيق الدولية المعنية بسوريا، وصفت بأنها تفوق الوصف من حيث القسوة والانتهاك لحقوق الإنسان.
التحريض المسبق وشيطنة الجماعة
غالبًا ما سُبقت هذه الحملات بمحاولات منظمة لتشويه صورة الإيزيديين، سواء عبر الطعن في معتقداتهم، أو بنزع صفاتهم الإنسانية عبر الخطاب الديني والسياسي، ما مهّد الطريق لممارسة العنف ضدهم في بيئة اجتماعية معادية.
وأسهم ضعف التسامح الديني، وغياب الاعتراف المتبادل بين الأديان، في ترسيخ تصورات سلبية تجاه الديانة الإيزيدية، لا سيما في الدول التي تتبنى ديانة رسمية تُقصي المعتقدات الأخرى، ولا تمنح الأقليات الدينية مساحة حقيقية لممارسة شعائرها.
الهوية العرقية والدينية للإيزيديين
ينحدر معظم الإيزيديين من أصول كردية ويتحدثون الكردية الكرمانجية، لكنهم يختلفون دينيًا عن الأغلبية الكردية السنية. ويطالب بعضهم بالاعتراف بهم كجماعة إثنية مستقلة، بالنظر إلى خصوصيتهم الثقافية والدينية. ويقع معبدهم الرئيس "لالش" في قضاء شيخان قرب الموصل شمال العراق.
الانتهاكات ما بعد 2011: سوريا كنموذج
شهد الإيزيديون في سوريا فصولًا جديدة من المعاناة بعد اندلاع النزاع السوري عام 2011، خاصة في المناطق التي خضعت لسيطرة فصائل المعارضة المسلحة المدعومة من تركيا. ففي عمليتي "غصن الزيتون" (2018) و"نبع السلام" (2019)، تعرض إيزيديو عفرين ورأس العين/سري كانيه لانتهاكات عديدة شملت الاعتقال، التهجير القسري، مصادرة الممتلكات، وممارسة ضغوط دينية شديدة كالتحريض على "اعتناق الإسلام" بالقوة.
حرمان من الحقوق الدينية الأساسية
في المناطق الخاضعة لسيطرة الفصائل المدعومة من أنقرة، مُنع الإيزيديون من ممارسة طقوسهم الدينية، ومن إقامة احتفالاتهم أو تعليم تعاليم ديانتهم، كما حُرموا من إنشاء أماكن عبادة أو ترميمها. وقد وثقت تقارير دولية، منها تقرير اللجنة الأمريكية للحريات الدينية لعام 2020، هذه الانتهاكات ودعت إلى الضغط على تركيا لوقف الانتهاكات ضد الأقليات في شمال سوريا، وضمان انسحابها من الأراضي السورية ضمن جدول زمني محدد.
الفرصة الضائعة: الإدارة الذاتية الكردية
بعد عام 2011، تمكن الإيزيديون لفترة قصيرة من التعبير عن هويتهم الدينية في ظل سيطرة الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، لكن هذه الفترة لم تدم طويلًا. إذ أدت العمليات العسكرية التركية إلى تهجير واسع للإيزيديين من مناطقهم الأصلية، خاصة في عفرين ورأس العين، وتعرضهم مجددًا لواقع التهجير والانتهاك.
المنهجية المعتمدة في التقرير
يستند هذا التقرير إلى مقابلات ميدانية أُجريت مع 32 شخصًا من أبناء المجتمع الإيزيدي، من بينهم 14 امرأة، ممن عانوا مباشرة من الانتهاكات أو أجبروا على مغادرة سوريا. كما تم تحليل عدد كبير من التقارير الحقوقية الصادرة عن منظمات دولية ومحلية، إلى جانب مراجعة الخلفية الدينية والقانونية والتاريخية للوجود الإيزيدي في سوريا.
وينقسم التقرير إلى ثلاثة محاور رئيسية:
-
الانتهاكات المرتبطة بالنزاع السوري (2011–2022)، مع تركيز على المناطق التي خضعت للسيطرة التركية، وما شهده الإيزيديون من تمييز ديني وعرقي.
-
التمييز القانوني والمؤسساتي في ظل الحكومات السورية المتعاقبة، بما يشمل رفض الاعتراف بالديانة الإيزيدية رسميًا، وإجبار الأطفال الإيزيديين على دراسة التربية الإسلامية.
-
الأصول والمعتقدات الدينية للإيزيديين، مع تسليط الضوء على تاريخهم، الرموز الدينية، والمواقف البحثية المتفاوتة حول ماهية ديانتهم.
تشويه الهوية والتاريخ
تُظهر الدراسة كيف سعت الكثير من الكتابات القديمة والحديثة إلى تشويه الديانة الإيزيدية، من خلال دمجها ضمن أديان أخرى أو اتهامها بالانحراف أو الهرطقة. وربطها البعض بالزردشتية والمانوية أو الأديان الرافدية القديمة. وغالبًا ما اعتمدت تلك الدراسات على فرضيات مسبقة دينية أو قومية دون تمحيص علمي.
وقد أدى هذا الغموض المعرفي إلى تقويض فهم حقيقي لطبيعة الإيزيديين، وإلى تثبيت الصور النمطية التي استخدمت لاحقًا لتبرير الانتهاكات.
خاتمة وتوصيات
إن المآسي التي مرت بها الجماعة الإيزيدية، خصوصًا في العقد الأخير، تسلط الضوء على الحاجة الماسة لجهد دولي موحّد لحمايتهم كأقلية دينية، وضمان حقوقهم في الحرية الدينية والثقافية، وتوثيق الجرائم التي ارتُكبت بحقهم، ومحاسبة الجناة. كما يجب الضغط على الأطراف المتورطة في الانتهاكات، وفي مقدمتها الحكومة التركية والفصائل المسلحة المدعومة منها، لضمان عدم تكرار الانتهاكات ومنح الإيزيديين حق العودة الآمنة إلى مناطقهم.
إرسال تعليق
0تعليقات